رواية جديدة
على ملامح وجهه حين تذكر حديثها عن كرامته هي محقة بالفعل فهي لا تطيقه وهذا واضح جدا من أفعالها ورغم ذلك هو لايزال متمسكا بها .. فهل يختار كرامته أم حبه لفتاة ذات غباء فظيع سيضيع منها نعمة تبحث عنها كل الفتيات
تنهد بتعب وجلس على مقعد ما بالغرفة مشبكا كفيه تحت ذقنه ومستندا بمرفقيه على فخذيه يفكر في حل مناسب يحافظ به على كليهما .. لكن سماعه لصوت طرقات على الباب قاطع تفكيره تجاهله في البداية لكنه تفاجأ عند سماعه لصوت الباب وهو يفتح بإستخدام مفتاح !
_ اي ده دكتور أمجد وأخوه هو انتو بتشتغلوا فريق إنقاذ والا ايه يعني نفس الأعضاء الي انقذوا بدور هما الي هينقذوني من الشريرده
أشارت برأسها في نهاية كلامها إلى يامن الذي خرج للتو من الغرفة التي كان يقبع بها .. إبتسم أمجد على مرحها وقد تأكد من نبرتها أنيامن لم يفكر في إيذائها أما رسلان فقد تجاهلها وإقترب من يامن الذي يرمقهم بضيق وبحركة مفاجئة كان رسلان يسحب أذن يامنمتمتما
قوس يامن شفتيه بتذمر وهو يحاول إبعاد يد رسلان عن أذنه ثم أسرع ناحية دينا متجاهلا كلامه ودفع أمجد الذي كان على وشك فك وثاقهاليفكه هو .. قام بتحرير يدها أولا فدفعته بعد ذلك قائلة ببرود
إبتعد يامن بصمت ثم إتجه إلى الغرفة التي كان بها وغاب داخلها لبعض الوقت بينما إنتهت دينا من تحرير رجليها فوقفت قائلة وهيتخاطب أمجد
_ بص عايزاك تقول للي جوا ده يبطل يحاول يقرب مني تاني لان خالي مش هيسكتله بعد الي حصل
قاطعها رسلان بهدوء
_ خالك مش هيعرف حاجة .
إلتفتت إليه دينا وهتفت وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها
تدخل أمجد قائلا وهو يحاول منعها عن ذلك
_ بصي يا دينا انت لو قولتيله ممكن تحصل خناقة بين خالك وعيلتنا ولو ده حصل ممكن ميسمحلكش تشوفي بدور تاني عشان خاطربدور على الاقل مش لازم تقوليله .
قوست شفتيها بعدم رضا وفكرت قليلا لتجد أنه محق زفرت بضيق ثم تساءلت
_ طب ولو سألني كنت فين هقوله ايه
أومأت دينا برأسها سريعا بعدم إقتناع متمتمة
_ تمام بس يا ريت تقولوله يبعد عني برضه .
تنهد أمجد بشفقة على إبن عمه ثم أشار إلى باب الشقة قائلا وهو يتعمد تجاهل كلامها
_ تعالي اروحك دلوقتي عشان اهلك قلقانين عليك .
نظرت إلى شاشة التلفاز التي كانت تعلن عن نهاية ذلك الكرتون الذي تحبه وتمتمت بحزن
تنحنح أمجد ورمقها بنفاذ صبر منتظرا منها أن تخرج حتى يعود إلى القصر ويرتاح إتجهت إلى الباب للخروج أخيرا لكنها لم تكد تعبرعتبته حتى سمعت صوته ينادي بإسمها
_ دينا .
نطقه يامن بنبرة هادئة جعلت دقات قلبها تتسارع فجأة .. إلتفتت إليه وهي ترسم ملامح الإستغراب على وجهها فوقعت عينها على يده التيتمتد إليها حاملة علبة الشوكولاتة المفضلة لديها
.. سال لعابها وهي تنظر إلى العلبة ثم رفعت بصرها إليه فوجدته يطالعها بنظرة تحمل بعضالندم وهو يقول
_ أنا اسف لاني عملت معاك كده بس كنت عايز اتكلم معاك وانت مش مدياني فرصة ودي هدية صغيرة ليك لو قبلتيها هعتبر انك قبلتاعتذاري .
قال الأخيرة وهو يشير إلى علبة الشوكولا فإبتلعت ريقها
وهي تشعر أنها لن تستطيع الرفض فالشوكولاتة التي بيده الآن هي نقطة ضعفهاوستضطر إلى قبول إعتذاره للحصول عليها .
وبالفعل أخذت العلبة دون تفكير مطول مرددة
_ أنا هقبل اعتذارك عشان الشوكولاتة بس على فكرة ! بس يا ريت تبعد عني خالص بعد كده .
قالت ذلك وخرجت من الشقة وخلفها أمجد فإبتسم يامن لنجاحه في نيل السماح منها بإستخدام نقطة ضعفها تلك لكن إبتسامته لم تدمطويلا بسبب رسلان الذي سحبه ليخرج هو الآخر وأقفل الشقة قائلا
_ تعالى انت هنا انت لسه هتتحاسب على الي عملته ده في القصر .
أومأ يامن بعدم إهتمام لعلمه بأن رسلان لن يفعل له شيئا لكنه تساءل فجأة
_ هو ادم باعني واداكم مكاني بكام
أجابه رسلان ببرود وهو يخرج برفقته من العمارة متجها إلى سيارته
_ ولا جنيه ! أول ما وعدناه اننا هنجيبله شريط الفيلم الي جدو اخده منه اتكلم على طول .
ظهر الغيظ على وجه يامن وتمتم بصوت منخفض
_ واطي وهيفضل طول عمره واطي !
كانت تجلس على الدرج أمام باب القصر الرئيسي تتابع الغروب عندما وجدت رسلان يدخل القصر رفقة يامن وقفت من مكانها وإتجهتنحوهما هاتفة بلوم
_ انت بجد خطفت دينا يا يامن
تجاهلها يامن ودخل القصر بعينين لا تنويان الخير فتبعته هي بإصرار لكنها وجدت يدا توقفها عندما وصلت إلى الدرج الذي كانت تجلسعليه قبل قليل .
إلتفتت إلى صاحب اليد والذي لم يكن سوى رسلان والذي قال بهدوء وهو يرغمها على الجلوس ثانية ثم يجلس بجانبها
_ سيبيه دلوقتي لانه لو متخانقش مع أدم ممكن ېموت وخلينا احنا مع الغروب الي كنت بتتفرجي عليه .
جلست بطاعة وهي ترمقه بإستغراب ثم نظرت إلى السماء بتوتر طفيف لا تدري سببه .. شعرت ببعض الضيق من الصمت الذي طغى عليهمافحاولت إختلاق أي موضوع ليتناقشا فيه فتحت فمها لتبدأ الحديث لكنها أغلقته ثانية .. لا تعلم ماذا عليها أن تقول خاصة بسبب ذلكالتوتر الذي يسيطر عليها .
أغمضت عينيها وأخذت نفسا عميقا مقررة أن تتحدث بتلقائية عن أول شيء يجول بخاطرها .. فتحتهما ثانية ونظرت إليه ثم تنحنحت لتجذبإنتباهه وقالت
_ هو .. هو انت ليه عايز تتجوزني
أدار رسلان وجهه إليها وحدق بها بهدوء دون أن يفارق الصمت لكنه لم يعلم بأن نظرته جعلتها ټلعن نفسها ألف مرة على ذلك السؤالالسخيف الذي طرحته .
فتحت بدور فمها بنية تغيير الموضوع لكنها وجدته يتنهد وهو يعود للتحديق بالسماء قائلا
_ لو فكرت شوية هتعرفي الإجابة لوحدك .
ظهرت الحيرة بعينيها وتضايقت من جوابه المبهم والغامض بالنسبة لها ولذلك إختارت إلتزام الصمت هي الأخرى .. لكن طبيعتها لم تستطعتحمل الوضع أكثر فقطعته ثانية بتساءل
_ هو انت كنت بتحب ماما
لا تدري لما هذا السؤال تحديدا لكنه كان أول شيء خطړ ببالها فأخرجته فورا .. إنتبهت إلى رسلان الذي رفع كتفيه مجيبا ببساطة
_ طبعا .. قلتلك قبل كده اني كنت بعتبرها أمي الحقيقية .
أخفض رأسه عند نهاية كلامه وشرد قليلا قبل أن يسترسل بشبح إبتسامة ظهر على ثغره
_ ماما كانت أقرب حد ليا زمان وأنا كنت أقرب حد ليها برضه أقرب حتى من أولادها الحقيقيين لدرجة اني مشكتش لحظة انها ممكنمتكونش أمي .. كنت دايما بدلع عليها واخليها تفضل جنبي بالليل وتحكيلي حكاية لحد ما انام وأنا لحد دلوقتي لسه فاكر نص الحكاياتالي كانت بتحكيهم ليا .
إبتسمت بدور وهي تستمع إلى حديثه بإهتمام شديد وقد لاحظت لمعة حنين بعينيه حين نظر إليها لوهلة .
_ اهتمامها بيا مقلش خالص حتى لما خلفت أخواتك بس لما جيت انت للدنيا حسيت ان اهتمامها كله اتحول ليك ومنكرش اني غرت منكفي الأول .
رفعت بدور حاجبيها بدهشة من تصريحه هذا لكنها لم تمنع نفسها من الضحك بخفة .. إنتظرت منه متابعة الحديث لكنه كان قد عاد ليلتزمالصمت ثانية فإبتسمت بحماس وتحدثت هي هذه المرة
_ أنا كمان بحب ماما اوي رغم ان خالي مكنش بيعاملني كويس بس ماما عمرها ما خلتني احس بالۏجع .. حنانها وحبها ليا غطى علىالي خالي كان بيعمله معايا ..
تحولت لمعة الحماس في عينيها إلى الحزن وهي تواصل
_ بس هي كانت پتتوجع وأنا معرفتش اشيل الۏجع ده من قلبها مكنتش فاهمة هو ليه خالي بيعمل كده معاها مع انها اخته وكل ما كنتبسألها كانت بتتهرب من الاجابة ودلوقتي بس عرفت ليه .
أخذت نفسا عميقا وإسترسلت وهي ترفع رأسها للسماء بشرود
_ بس هي اتظلمت اوي .. حتى من بابا ! الحياة الي كانت
عايشاها في بيت خالي هي أكبر دليل انها متجوزتش بابا عشان ټنتقم لاخوهازي ما قال والا مكنش خالي عاملها كده .. صح
قالت كلمتها الأخيرة وهي تنظر إليه بترقب تنتظر منه موافقتها على كلامها لكنها وجدته يقف بصمت ثم يستدير إليها قائلا بكل هدوء
_ خلينا ندخل الجو بقى بارد هنا .
زفرت بضيق من تجاهله لكلامها لكنها إعترضت عن الدخول رغم شعورها بالبرد فعلا قائلة
_ مش عايزة أنا حابة المكان هنا أدخل انت لو بردت .
إنتظرت منه الإستسلام والجلوس معها حتى لا يتركها لوحدها لكنها وجدته يدخل القصر دون إضافة كلمة واحدة .. نظرت إلى إثره بضيق ثمعادت تراقب السماء بصمت .
شعرت فجأة بشيء دافئ يوضع على كتفيها بعد دقائق فإلتفتت لتجده قد عاد وأحضر معه جاكيت ليدفئها به .. إبتسمت بإعجاب لحركتهوهي تراه يعود للجلوس بجانبها بصمت .
لكن إبتسامتها إنمحت وهي ترى تلك التي تعبر بوابة القصر وتتقدم نحوهما لتفسد لحظاتهما وتعانق رسلان قائلة
_ سولي ! عامل ايه يا حبيبي
فتحت عينيها ببطء وهي تشعر پألم في بطنها لم يزل بعد إعتدلت في جلستها سريعا تطالع المكان بإستغراب لكنها صاحت بقوة عندماإنتبهت إلى ثيابها التي تغيرت وقد تذكرت كلمات وائل التي ألقاها عليها قبل
أن تفقد الوعي .
فتح الباب فجأة وظهرت من خلفه سيدة تبدو في أواخر الثلاثينات تقدمت منها متسائلة بقلق
_ مالك يا بنتي بتصوتي ليه
نظرت إليها هناء بأعين ضائعة وهمست
_ أنا .. أنا
لم تستطع متابعة الكلام وهي تتنفس بسرعة خوفا من أن ما يجول بفكرها الآن قد حدث حقا إنتبهت إلى تلك السيدة وهي تعطيها كوبا منالماء لتهدئ به نفسها فأخذته سريعا وشربته دفعة واحدة .
إستعادت السيدة الكوب وربتت على كتف هناء بتهدئة فرفعت هذه الأخيرة عينيها إليها وتساءلت
_ انت مين وأنا جيت هنا ازاي
_ أنا نادية دكتورة نسا وجارة الولد الي كنت معاه .
لمعت عينا هناء وسألتها سريعا پخوف
_ ه .. هو .. عمل حاجة
أخفضت نادية رأسها بحزن لتتسع عينا هناء پصدمة بعد أن فهمت الجواب ..
وضعت رأسها بين كفيها ونظرت إلى الأرض بتشتت نزلت دموعها تدريجيا لتبلل خدها لكنها لم تمسحها وهمست
بصوت موجوع
_ أنا عملت ايه أنا .. أنا ضيعت نفسي !