رواية بقلم ډفنا عمر
كل شيء لن يترك غنيمته الغالية في قلب جده..
بتستأذن تدخل بيتك ياجسار.!
همسها الجد بعتاب ومازال يحتويه بذراعيه الواهنة فابتعد عنه وتمتم متغاضيا عن عتابه أسمحلي اخد من وقتك دقايق واتكلم معاك في حاجة مهمة.
أجابه بعاطفة لا تكذب بعيناه الذابلة عمري كله ليك ياجسار مش بس دقايق..تعالى معايا..وجذبه من يده للداخل..صار وكأن الزمن قد عاد به للوراء بضع سنوات حين كان طفل صغير يتبع جده الحنون وأنامله مستكينة بكفه.. رعشة طفيفة أصابت جسار فطن لها الجد وأدرك مغزاها..هو لم يفقد رصيده في قلب حفيده الأول حتى لو كانت دمائهما ليست واحدة..مازلت حبال العشرة والحب معقودة بينهما ولم تنقطع..
ظل يرمقه بحزن شديد من ظنه طيلة عمره الماضي شقيق وسند له لم يعد شقيقه..تلاشت صلة قرابتهما بعد أن تعرت الحقيقة وعلم أنه مجرد دخيل على هذه العائلة..
أخوك كان عنده شغل يا رائف..
ثم استطرد الجد هو ينظر لجسار بس أكيد مش هينسى إنك اخوه لأنه مالوش غيرك.
تلجم جسار وهو ينظر لجده ولم يعرف ماذا يقول..
ورائف كمان مالوش غير اخوه جسار..
لو نبعت العبارة من الجد ما تعجب لكنها صدرت عن والده أو من ظنه والده يوما..ليسترسل توفيق وهو يقترب مش كده برضو ياجسار انت ورائف اخوات ومفيش حاجة هتفرقكم.
حين أعتقده قاسې القلب لكن ها هو يثبت له كم كان خاطيء بشأنه..
انتو كلامكم غريب كده ليه يا جماعة كأنكم بتعرفوني أنا و اخويا على بعض من جديد.. بابا وجدو مالهم أنهاردة يا جسار
مازال الأخير في حالة عدم توازن وحزن جعله يلتزم الصمت المتأمل بعجز ليتدخل توفيق بقوله طيب بطل لماضة بقي وروح شوف رايح فين..وسيب أخوك مع جده شوية..
ماشي يا سي بابا.. ثم نظر لأخيه وقال انا منتظر ټوفي بوعدك يا كبير أوعي تنسي اخوك أنت وأشرف..لم يستطع أن يخذل تلك العاطفة الناضحة له من أخيه فغمغم أخيرا إن شاء الله يا رائف..
فوق سطح المكتب حرر ميداليته الفضية التي تجمع مفاتيحه تحت بصر الجد نادر وتوفيق الذي تسائل ايه ده يا جسار
نظر له الأخير مقرا بهدوء دي كل المفاتيح بتاعة العربية والمكتب وشاليه اسكندرية والفيلا.. واستطرد والفيزا بتاعة البنك.
غبر الحزن محياهما وقال الجد بتأثر وغيامة دموع بدأت تتكثف بمقلتاه خلاص يا ابني ناوي تنسحب من حياتنا بالبساطة دي كأننا غرب عنك خلاص مفيش جدو اللي بتحبه وتحكيله كل حاجة في يومك جدو اللي كنت مش بتنام غير لما تطمن انه متغطي وواخد علاجة ومش تعبان هتنسانا وكأنك متعرفناش وتخرج من البيت اللي اتربيت جواه سنين عمرك كله.. هتنسي طفولتك هتنسى لعبنا سوا هتنسي كل حاجة عشتها هنا ياجسار
ترقرقت عين الجد ما بين راحة بما قال وحزن لما هو أت بينما يتابع توفيق حوارهما
بتأثر وجسار يواصل بس أنا مقدرش اقبل اتمتع بمنح مادية مابقيتش من حقي برفض رفاهية مش ملكي دلوقت ياجدي أنا هبدأ طريقي بشغل جديد وبيت تمنه من كدي وتعبي.. وفي نفس الوقت لازم ادور على أي خيط يوصلني لأبويا وأهلي..
ثم غمرته نظرة حزن عميق تفطر القلب كفاية عرفت اني أمي ماټت يوم ما ولدتني..والأمل الوحيد اللي فاضل ان ابويا يكون عايش..مش أنت بتحبني ياجدي يبقي سبني اعمل اللي يريحني..لكن صدقني مفيش حاجة هتبعدني عنك ابدا ولا تقلل مكانتك جويا..
ثم مد أنامله وجفف دموع جده العزيزة وقال مازحا وعشان تعرف ان حفيدك الحليوة مش بيضيع وقت أنا فعلا لقيت شغل تاني في شركة والد زميلة ومحامية في المكتب عندي.. هبقي مستشار والدها القانوني..
حاول الجد أن يغتصب ابتسامة وهو يربت علي رأسه بحنان مبروك ياحبيبي ثم تساءل طب ومكتبك اللي تعبت فيه وبنيت سمعته بشطارتك هتسيبه يضيع منك
لا جدي مش هيضيع أشرف وأدم وسارة هما اللي هيكملوا القضايا متخافش..
رمقه بنظرة مطولة قبل ان يقول أنا ليا حق عليك ولا لأ يا جسار
طبعا ياجدي وكلمتك سيف على رقبتي بس..
مفيش بس أنا مش هقولك سيب فرصة الشغل اللي جالك في شركة أبو زميلتك بس كمان المكتب ده اتعمل بمجهودك ومهارتك انت ليه تفرط فيه وهو حقك وبعدين ده هديتي في نجاحك والهدية مابترجعش وإلا تعتبر إهانة..عايز تهين جدك
تتدخل توفيق داعما أبيه تلك المرة بود لا يصطنعه اسمع كلام جدك يا جسار وماتزعلوش زي ما قالك المكتب ده انت اللي عملته وتستحق تحتفظ بيه..
وواصل بأديث أكثر عمقا مهما كان اللي حصل واللي عرفته أوعي تنسى انك كنت ومازلت حفيد للراجل ده ولازم تسمع كل كلامه فاهم
فاهم يا... ..
وقفت الكلمة گ غصة في حلق جسار لم يستطع لفظها..إن ناداه بأبي سيكون كاذب فلم يستشعرها منه يوما مثلما كانت أحاسيسه تجاه الجد نادر..
ولم يغب عن توفيق تردده لقولها فغمغم كأنه سمع ما دار بذهنه أنا مش هخدع نفسي واعاتبك واقولك ليه مقدرتش تنطقها دلوقت عارف ان عمرك ما حسيتها مني يا جسار.. انت ماحبيتش غير بابا وابني رائف.. لأن هما فعلا اللي ادوك مشاعر و عواطف حقيقية بس برغم كده أنا بشكرك لأنك كنت بار بأبويا أكتر مني ودايما كنت معاه لما احتاجك..
وهفضل كده طول عمري.
قالها جسار بحسم وقوة دون لحظة تردد كي يرسخ فيهما تلك الحقيقة.. ليبتسم جده بحنان وقلبه يخفق حبا وفخرا بما صار عليه ذاك الذي تلقفه من الطريق ذات يوم رضيعا ېصرخ..ها هو كبر ولم ينسى ما قدمه له.. مازال بارا محبا له كما كان..
اسمحولي استأذن..
على فين
قالها جده بلهفة وعيناه تستجدي بقاءه فتماسك جسار أمامه كي لا يضعف هشوف سكن مؤقت لحد ما تستقر أموري يا جدي..
طب خليك معانا لحد ما تظبط الدنيا وبعدين ناسي رائف اللي هيسأل عليك ويستغرب انك مش موجود ولا ناوي تقاطع أخوك
قالها توفيق كي يثنيه عن الرحيل فرد عليه
رائف انا هقابله وافهمه لكن وجودي هنا مبقاش ينفع خلاص.
أطرق الجد رأسه باستسلام حزين فرفعها جسار هامسا بحنان وبعدين ياجدي مش اتفقنا ان مفيش حاجة هتتغير كل الحكاية اني هستقل بحياتي ماديا مش أكتر..
سلم أمره لله وهو يتمتم هتعرفني مكانك الجديد
أكيد طبعا..
ابتسم ممتنا له فاهم ياجدي..
ابتعد متأهبا للمغادرة ورمق توفيق بنظرة احترام ثم قال له ما يراه حقا رغم كل شيء شكرا إنك وافقت في يوم من الأيام تكتب طفل يتيم من الشارع على اسمك..
تراقبها وهي تلتهم أرض غرفتها مجيئا وإيابا بتوتر بالغ قائلة ھموت واعرف بابا أخد عنوان مكتب جسار ليه.. تفتكري سمعنا ياشمس
معتقدش..
أمال تفسري بايه طلبه
أحتمال يكون شغل قضية مثلا وعايز يستشيره
يا سلام طب منا قدامه مش سألني ليه
معرفش يابنتي ده مجرد احتمال..
جلست جوارها تزفر بقلق وهي تقول خاېفة أوي على جسار ياشمس..كلامك عن حالته خوفني أوي..ثم استرسلت ببعض الشرود كتير بشوف في عيونه حزن غريب كأنه بيدور علي حاجة مش لاقيها..
حدجتها شمس مليا بغموض ثم تساءلت انتي لسه بتحبيه يا سارة
التفتت إليها وهمست بشخوص صدقيني أنا ساعات مش بعرف اسمي مشاعري ناحية جسار..
ماهي لو مش حب هتكون ايه
صمتت بحيرة واضحة فعاجلتها شمس بسؤال جديد وآدم بتحسي ناحيته نفس مشاعرك ناحية جسار
أصابتها حيرة أكبر وقد بدا سؤالها شديد الصعوبة..فترة عملها جوار آدم قربت بينهما بشكل كبير تأكدت من مشاعره الجارفة نحوها غيرته الجلية من العملاء وخوفه المفرط عليها دفء نظراته نحوها كل مادا تتغلل في روحها وتنبت داخلها براعم اهتمام وميل نحوه لا تنكره تعارفها بعائلته ورؤية نشأته المتواضعة القرب منهم غرزت فيها عاطفة تشعبت مع الوقت فتعمقت فيها أكثر لدرجة لم تدركها فترة الجامعة..والأخطر أنها تشتاقه لو غاب كما أنها اصطدمت في نفسها بشعور أخر لم تتوقع يغزوها هكذا وهي تضبط نفسها متلبسة بداء الغيرة عليه من إحدى زوار المكتب وهي تتعمد الدلال معه لتجد نفسها دون وعي تحول بينهما بحدة واضحة وتتولي هي التعامل مع العميلة التي أتت ترفع قضية خلع من زوجها..تصرفها غمر
وجه أدم حينها بسعادة طاغية..أخجلها هي من نفسها..
يااااه.. كل ده تفكير عشان تجاوبي سؤالي
نزعها صوت شمس من شرودها فقالت لأني مش عارفة اقولك ايه..حاسة اني مش طبيعية..
ليه بتقولي كده
لأني بحب الاتنين يا شمس..بس كل واحد حبه مختلف جوايا عن التاني وده اللي محيرني مش قادرة احدد حاجة..
بتغيري علي مين فيهم
آدم..
قالتها دون تردد لتبتسم الأخرى
يبقي واضحة انتي بتحبي آدم يا سارة انما مشاعرك لجسار دي حاجة تانية خالص..ممكن يكون انبهار بشيء معين فيه أو حتي مجرد راحة نفسية لشخص ممكن يصادفك في اي مكان.. انما مش حب بجد..ده اللي متأكدة منه بعد اللي قولتيه.
عاد يحتلها القلق عليه وهي تهتف يمكن يكون كلامك صح بس المهم دلوقت اني خاېفة عليه أوي يا شمس..تفتكري ايه سبب حالته اللي حكتيها عايزة اطمن عليه بأي شكل وللأسف لما جيت اتصل لقيته قافل تليفونه..
لا تنكر عليها أبدا هذا القلق الذي انقسم شطر منه داخلها بعد ما رآت حالته لكنها هتفت لتهدئها بصي فات حوالي ساعتين من وقت خروج عمو.. أتصلي أسأليه..
اتكسف أصل بابا بصلي بنظرات غريبة كده قبل ما يمشي..
خلاص هتصل أنا وافهم بطريقة غير مباشرة.
انتظرت رده علي الطرف الأخر وما أن أتاها حتي صاحت صباح الخير يا عمو أمين ايه الأخبار
الحمد لله يا شموسة وصباحك ورد.. انتي لسه عند سارة
أيوة ياعمو ما انت عارف بنتك رغاية ازاي بس انا شوية وجاية الشركة اشوف شغلي ماتقلقش..
قهقة وقال ده العادي بتاعكم لما بتتلموا على بعض..عموما لو عايزة خليكي منورانا ونتغدا سوا لما ارجع..
قالت بمرح تسلم يا فتى أحلامي..بس هاجي الشركة طبعا أشوف شغلي.
بطلي بكش فتي أحلام ايه بكرشي ده المهم خدي راحتك وهستأذنك عشان عندي اجتماع هيبدأ بعد دقايق..
ماشي ياعمو بس..
بس ايه
تنحنحت بشيء من التوتر ثم تراجعت عن قولها لا خلاص مفيش..
رمقتها سارة بحنق شديد أما أمين فطن