رواية بقلم ډفنا عمر
امتى يا دكتور نادر
قالها أمين هامسا وهو يقترب من الجد لينظر له بإجهاد بكره هستلمه يا أمين بيه..
تنهد الأخير مع قوله أنا خلاص يا دكتور متأكد انه ابني..لكن عايزه هو اللي يتأكد ويصدق اني أبوه..
نظر له الجد وشبح الفقد يلوح له بذراعيه وحانت فصول النهاية أن تكتمل ليعود كل شيء لاصله..
هو لم يعد الآن جد لجسار..
مجرد أن يعلم من هو أبيه ومن هم أهله سينساه ويختلط بهم ويعوض ما فاته.. سينزوي بعيدا ويتركه متنعم بدفء أسرة حقيقية ينتمي إليها..فليكن معه الله حينها..
مافيش داعي لوجودكم وتعبكم علي الفاضي..أنا موجود مع شمس وانتم ارجوا بيوتكم ارتاحوا..
هكذا هتف جسار على الجميع بتلك الكلمات وشحوب وجهه تضاعف مع سواد عيناه من قلة نومه وحزنه.. فاقترب أمين ورمقه بنظرة حانية وقال مش هسيبك هفضل معاك..
غيرة لم تخفي عن عين جده نادر فسخر داخله من المفارقة العجيبة قريبا جدا ستتبدل الأدوار ويقف هو بعيدا عن حفيده يراقب عناقه لأبيه..
أحاط وجهه براحتيه وغمغم بحنان متخافش عليا يا ابني أنا بخير ومش هسيبك غير لما مراتك تفوق.
وعلي الجانب الأخر ېحترق أمين لوعة لمثل هذا العناق.. متي يعلم أنه أبيه وأحق بمشاعره وحنانه وبره وعطفه هو أبيه وكل ما لديه هو رائحة زوجته الراحلة.
شعر بمن يمسك ذراعه گ مؤازارة ليجد رضوان يبادله النظرات الكاشفة لدواخله.. كأنه يقول له صبرا.
غمغمت الأخيرة بحزن عبر الهاتف للأسف يا أدم زي ما هي غايبة عن الوعي أغلب الوقت.. صعبانة عليا أوي.. وكمان جسار مسكين هيتجنن عشانها.. ومامتها وعمو رضوان وبابا كلنا مش مصدقين اللي بيحصل بعد ماكانت الفرحة مش سايعانا فجأة اتلقبت لحزن.
معلش يا سارة ده قضاء ربنا وبإذن الله يعوضهم بطفل جديد معافى..
أدم حاسة ان الموضوع أكبر من فقد الطفل.. نظرات بابا وعمو وجد جسار كمان مش طبيعية..كأنهم مخبين حاجة..
هيخبوا ايه أكتر من كده بيتهيئلك.. المهم ياحبيبتي امسكي نفسك شوية أنا خاېف عليكي وزعلان عشانك..
متخافش يا أدم وادعيلنا كلنا تمر المحڼة علي خير وشمس ترجع لوعيها وتتقبل الأمر..
هتعدي بإذن الله.
طيب هسيبك واروح اطمن علي شمس وهكلمك تاني..
ماشي حبيبتي منتظرك.
ذهب معه للمختبر لا يطيق صبرا للأنتظار ليعلم النتيجة ومعه رضوان..مكث يترقب ظهوره ليهب من مقعده بعد أن بصره يغادر الغرفة التي اختفى بها..
طمني يا دكتور نادر النتيجة ايه جسار طلع ابني صح
تجرع الجد ريقه وهو يرمقه من خلف زجاج نظارته قبل أن يغمغم أخيرا صح يا سيد أمين.. جسار أبنك.
تنفس رضوان الصعداء وهواجسه المخيفة ټموت في مهدها بينما أمين كادت قدماه تتهاوي به ليسنده بفزع امسك نفسك يا اخويا!
طلع ابني يا رضوان.. كنت حاسس انه ابني..ابن ريحانة نجى ورجعلي بعد سنين طويلة.. جسار ابني.
صار أمين يهذي وشقيقه يبكي فرحا لنجاة ابن أخيه.. ليستطرد الأول بلهفة عايز اشوفه.. لازم يعرف اني ابوه ويترمي في حضڼي أنا.. نفسي واشم فيه روح ريحانة الله يرحمها.
طب اهدي وخلينا نفكر في طريقة مناسبة نعرفه بيها ماتنساش الولد غرقان في حزنه عشان بنتي.
لأ مش هصبر هروح اخده في حضڼي وبعدها يجي وقت الكلام.
اسمحولي انا اتصرف واجيبلكم جسار في مكان مناسب للقاء زي ده..لأن ماينفعش حد غريب يحضره.
وذهب الجد ليستدعي جسار ويمهد له الحقيقة وليهون عليه الله ألم الفراق.
الفصل السادس عشر
القلوب لا تنتظر صك هوية لتعبر المسافات لمن تحب.
سلطانها نافذ أينما حلت لها عيون ترى وذراع
يحتوي.
لا تخطئ طريقها مهما تراكمت أسباب الضلال.
انقلب عالمه رأسا على عقب صرخات قلبه العجوز تشبه صړخة صغيره حين تلقفه بين يديه قطعة لحم حمراء لا حول له ولا قوة تمزق وشاح الحقيقة عن وجهه وتجلت خبايا ماضيه هو ذاته من سيخط بدموعه كلمة النهاية من نبع مقلتيه الذابلة سيخبر جسار أنه لم يعد مجهول الهوية جذوره اضحت شجرة عريقة النسب تثير الفخر لم يعد مصدر أمانه و فخره الوحيد قريبا جدا سيصبح ذكرى بعالم صغيره سينتمي لغيره فقد كل الحق به ويا ۏجع روحه على هكذا فقد سيدعوه للحضور وليكن الله في عونه حين تحين ساعة الفراق.
لا يعرف لما أصر جده أن يقابلته في الفيلا..وعلى مضض ترك زوجته لرعاية والدتها وسارة متوجها إليه.
عمي رضوان و أمين بيه هنا
اطلق جسار دهشته من رؤيتهما فور دخوله وغمغم أنا مش فاهم حاجة ياجماعة احنا ليه متجمعين هنا بالذات فهمني في ايه ياجدي!
تقدم نحوه الأخير وهو يحدجه بنظرة غريبة لا تخلو من الحزن العميق انا استدعيتك عشان هنا بدأت
الحكاية وهنا مكتوب تنتهي يا ابني..ضياعك وحزنك ووحدتك خلاص آن الأوان ينتهوا.. جذورك اللي كنت بتدور عليها اتشال عنها الغبار ورعرت فوق الأرض تاني و هتديك حياة جديدة وبداية تعوضك اللي فات.
كلمات جده الغامضة أشعلت فضوله وحيرته أكثر.. دارت عيناه بين الجميع ليجد من أعينهم دموع صامتة تنهمر دون سبب..
مش كان نفسك تلاقي أهلك و تعرف مين والدك يا جسار
أهله!
والده!
عقله يدور بفلك خواطره الخاطفة
بركانه الخامد اشټعل من جديد.
أين عائلته!
من أبيه
له أشقاء أعمام واولاد عمومة
عشرات الأسئلة تدوي برأسه دون رحمة
لينتفض بغتة لخاطر فرض منطقيته بقوة.
أيعقل أن من النقطه عقله صحيح!
آن الأوان تعرف مين هما أهلك يا ابني.
هنا انتبهت كل حواسه مع حديث جده..بدأ عقله يعمل بسرعة غير عادية ويحل الخيوط من عقدها..وكلمات بعينها تعود وتدوي بخاطره!
في تطابق كبير في الجينات ما بينكم.
التطابق ده مايحصلش غير لسببين
أولهم وأقواهم إنكم تكونوا أقارب.
بصوت الطبيب انسابت في دهاليز عقله..
تنقلت حدقتاه بين أمين ورضوان وجده يغمغم
أنا عملت ليكم انتم التلاتة تحليل. Dna.. والنتيجة أكدت مين أبوك..وممكن ببساطة اقولك حالا النتيجة رجحت كفة مين فيهم وأثبت نسبك.. بس انا عايزك أنت اللي تحدد بإحساسك اللي عمره ماخذلك مين فيهم أبوك ومين عمك خلي قلبك يدلك علي اللي جيت من صلبه يا جسار.
حملق بجده في ذهول شديد كأنه يتلمس منه يقينا
يثبت أنه لا يحلم وأنه بالفعل يقف أمام أبيه في حيز محيطه ولا يفصلهما شيء بإيماءة ونظرة حانية كنانه جده أنه يحيا واقعا لا يقبل الكذب شعور ضخ بروح جسار قوة وتقدم نحوهما ودموعه تنهمر دون إرادة وجسده يرتعد من فرط ما هو مقدم عليه.. جال بينهما مليا ودون شعور دنى من أمين وامتدت يده المرتجفة يتحسس وجه أبيه كما دله قلبه ليتلقفه أمين الباكي بعناق جارف اختلط بنحيبه الذي تصاعد وهو يطلق أه ۏجع لحرمانه من ابنه الأول كل هذه السنوات..لم يكن يعلم أنه حيا يرزق ظن النيران التهمته بأحشاء والدته.. لو علم بنجاته لما هدأ حتي وجده وأعاده لأحضانه..
كفاية كده يا أمين سيبني اخد ابن اخويا في حضڼي شوية.
قالها رضوان وهو ينتزع جسار من صدر أبيه ويتلقفه بصدره رابتا علي ظهره وهو يهتف من يوم ما شوفتك في عيد ميلاد سارة حسيت اني حاجة شدتني ليك بس كدبتها ومع الوقت نسيت أتاري الډم حن لبعضه وقلبي عرفك يا حبيب عمك.
العبرات كانت خير عنوان لما بحياه جسار يبكي ولا يصدق انه يتعانق الآن هو وأبيه وعمه..عادت له هويته الضائعة ولم يعد شخص مجهول مبتور الجذور ها هم أهله وعزوته حمزة ريان سارة وحبيبته وزوجته شمس.. ابنة عمه الغالية قطعة من روحه وقطرة من دمه.
شمس.
همسهل جسار بلوعة وهو يبتعد عن عمه مواصلا بلهفة شمس يا عمي شمس لازم تفوق وتعرف أنها مراتي وبنت عمي وحبيبتي.. يمكن ده يخليها تخف وترجع زي الاول.
بفيض حنان وحب يذيب القلب لثم أمين ظهر ابنه كنوع من الدعم له بينما احتوى رضوان خديه قائلا كل الدنيا هتعرف ياحبيبي مش بس شمس..ولاد عمك واختك سارة وخالتك جمانة أخت ريحانة أمك.
ريحانة!
بقلبه قبل شفتيه همس حروف أسم والدته كأنه يتذوقه الشهد شعر بشوق ولذة يختبرها للمرة الأولى..كثيرا ما حاول تخيل أسمها.. توقع لها أسماء كثيرا في عقله لم يصل أحداهم لجمال هذا الأسم.
أسمها گ عبق الجنة القابع أسفل قدميها لم يكتب له نعيم قربها في الدنيا لكنه سيفعل كل ما بوسعه ليقابلها و يهدي روحها الطاهرة عناقيد عمله الصالح بدنياه حين يآويه الثرى..
جذبه أمين وهو يضم كتفيه برفق يلا ياحبيبي تعالى معايا العيلة والدنيا كلها لازم تعرف انت مين عشان يفرحوا معانا..من انهاردة انت بقيت أهم وأغلى شخص عندي وعند الكل مش هتكون لوحدك تاني.
سحر
ما يحياه جسار بلحظة حياته الفارقة جعلته يستجيب لدعوة أبيه وكاد يغادر حيز الغرفة قبل أن يتوقف بغتة ويستدير خلفه لينخلع قلبه مع استدارته تلك وهو يري جده الحبيب ينظر له باكيا بنظرة تشق القلب كأنه يودعه للأبد كأنه فقد الحق به شعور جعل جسار يندفع مثل الطفل ليتشبث به بقوة هاتفا إياك ياجدي إياك أشوف في عيونك النظرة دي تاني محدش هيقدر ياخدني منك ولا يمحي مكانتك في قلبي وحياتي لأنك حتة مني..انت اللي ربتني وتعبت لحد ما كبرتني و ماحرمتنيش من حنانك وحبك آوتني تحت جناحك و حمتني من البرد و چحيم التشرد..ظهور أهلي دلوقت مش هيخليني ابعد عنك بالعكس لو عيلتي اكتملت فانت اهم شخص فيها يا جدي..أنت كبيرنا كلنا ومكانك هيفضل محفوظ
ظل جسار يعانق جده وهو يصيح بكلماته ليثبت له أنه لا يزال عالق بطرف جلبابه كمان كان مازال يحبه وينتمي إليه.. ثم جذب كفه وهو يصيح بمشاعر مفعمة بوفاءه لذاك الرجل تعالى معايا يا جدي عشان زي ما اهلي لأزم يعرفوني لازم كمان يعرفوا الراجل اللي رباني السنين دي كلها و له الفضل الأول والأخير عليا.. صح يا بابا
قالها بعفوية ليرتجف قلب أمين بين ضلوعه من حلاوة النداء الذي انحرم من سماعه القدر خبأ له أجمل هدايته في خريف العمر.. كأنه لم يسمع تلك الكلمة