بقلم منال سالم
صغيرتها
مش عارفة!
ركض أحدهم في اتجاههما فسألته عواطف بسجية
في ايه اللي بيحصل
أجابها الرجل بصوت لاهث وقلق
يا ساتر يا رب!
بينما غمغمت عواطف بفزع وقد اضطربت نبضات قلبها
ألطف بينا يا كريم!
توصلهم عند المعرض على طول هما مستنين مش عاوز تأخير وخد بالك البضاعة فرز أول!
تمام يا ريسنا!
تابع منذر أوامره مرددا بصوت آجش
وتاخد منهم إيصال الاستلام مفهوم!
هتف بتلك العبارة السائق ثم اتجه لشاحنته لينطلق بها..
لاحظ منذر حالة التوتر والإرتباك الحاډثة في المنطقة فنظر بغرابة في أوجه الجميع الذين بدوا وكأنهم يسيرون نحو وجهة معينة..
هو في ايه
انتبه لصوت صړاخ متتابع وصياحات عالية فزاد فضوله أكثر لمعرفة السبب..
ريس منذر يا ريس منذر
سلط منذر أنظاره عليه وسأله بجمود وقد قست تعابير وجهه
في ايه
أجابه العامل بصوت لاهث ومتقطع وهو يجاهد لإلتقاط أنفاسه
عاوزين نطلب يا باشا الاسعاف ولا البوليس يجوا يغتونا!
ضاقت نظرات منذر أكثر وسأله بجدية
ليه في ايه
انحنى العامل للأمام ليلتقط أنفاسه وأجابه بصعوبة مشيرا بيده
بيقولوا في عفش وقع على ولية كبيرة عند بيت خورشيد!
تبدلت
تعابير وجه منذر للقلق وردد بإندهاش وقد إرتخى أحد كفيه عن خصره
عفش! وحصل للست ايه
رد عليه العامل بصوت مرتبك
مش عارفين إن كانت عايشة ولا مېتة الجدعان هناك بيشيلوا الخشب من عليها!
أشار منذر بإصبعه للخلف مرددا بجدية
طب خش اطلبهم من جوا وأنا هاروح أشوف بنفسي!
حرك العامل رأسه بالإيجاب قائلا
ماشي يا ريسنا
مرر منذر يده على رأسه وهتف لنفسه بصوت جاد لكنه منزعج
ربنا يعديها على خير!
ثم سار بخطوات متمهلة نحو البناية ليتابع هو الأخر ما يدور..
تسابق الرجال في حمل الكتل الخشبية لإنقاذ تلك السيدة..
وبالطبع صړاخ أسيف جعل جميع الجيران يلتفون حولها وخاصة الجارات لمواستها والوقوف إلى جوارها ومنعها من التحرك..
هتفت إحداهن بتفاؤل
إن شاء الله هيلحقوها
وأضافت أخرى بضجر محملة اللوم على أصحاب الأثاث
غلطانين انهم سايبن العفش كده من غير ما يربطوه ولا....
قاطعتها ثالثة مرددة بجدية
مش وقته خلونا في المصېبة دي!
عاد إلى ذاكرة أسيف تلك اللحظات الموجعة و الحزينة والتي لم تكن بعيدة عنها حينما فقدت والدها الحبيب..
نفس الحشد نفس الأصوات المواسية نفس الوجوه العابسة مع اختلاف المشهد.. فمن تعاني الآن هي أغلى ما تبقى لديها هي والدتها ونبض فؤادها...
تراقصت العبرات في عينيها وتعالت شهقاتها مع تذكرها لمشهد وداع أبيها..
حاولت الافلات منهن للوصول إلى أمها والمساعدة في انقاذها لكنها لم تنجح فأياديهن كانت محكمة حولها.
واصلت صړاخها مرددة پبكاء حارق
ماما سمعاني سيبوني عاوزة أنقذها ماما أنا هنا!
أشفق الجميع على حالها فحياة أمها على المحك والكل يتسابق على انقاذها..
وصل منذر إلى المدخل وبدأ في إختراق الجمع المرابط أمامه ليرى بوضوح ما يحدث..
أثار حواسه الصړاخ المفجوع الصادر من الداخل وبحث بعينين مترقبتين عن صاحبته.
تمكن من بلوغ المقدمة وأصبح قاب قوسين وأدنى من رؤية السيدة الملاقاة أسفل الأخشاب..
مال بجسده للجانب ليتفادى قطعة أثاث يتناقلها الرجال فيما بينهم ليخرجوها فيفسحوا المجال للمرور..
سقطت أنظاره تلقائيا على ساق مكشوفة ترتعش بحركات عصبية متتالية فانتفض قلبه پخوف..
ماما ماما!
رفع منذر عيناه نحو صاحبة الصړاخ فتجمدت نظراته عليها واتسعت حدقتيه في ذهول عجيب. كما انفرجت شفتاه پصدمة أكبر..
لقد كانت هي.. نعم لم يكن لينسى ذلك الوجه البائس للحظة..
و..!!!!!!
الفصل الثالث عشر
حاولت عواطف وابنتها المرور بين جموع الأفراد المرابطين أمام مدخل البناية لرؤية الحاډث لكن تعذر عليهم هذا بسبب الحشد الغفير الذي يسد المدخل فبقيت كلتاهما بالخلفية..
وصل إلى مسامعهما تفاصيل مختلفة عن ملابسات الحاډث ولكن العامل الأساسي المشترك في كافة الروايات التي قيلت أن أثاث نيرمين الموجود بالمدخل كان السبب الرئيسي في إصابة تلك المسكينة تعيسة الحظ..
تأسفت عواطف على ما حدث لها ومصمصت شفتيها مرددة بحزن مصطنع
قدرها الغلبانة دي ربنا ما يورينا مكروه في عيالنا
تساءلت نيرمين بتوجس
طب يا ترى مين اللي حصلها كده
ثم زاد توترها وضاقت نظراتها أكثر وهي تضيف پخوف
لأحسن نكون هانروح في داهية ده.. ده العفش بتاعي!
ردت عليها عواطف بقلق عقب جملتها تلك
ربك يسترها واحنا ذنبنا ايه ده نصيبها مكتوبلها تشوف ده!
هتفت نيرمين بصوت خفيض وهي توميء بعينيها
لازم نتصرف الموضوع ممكن يقلب بنيابة وبوليس!
صمتت عواطف لتفكر للحظة في شيء ما..
دار بخلدها حديث دياب السابق عن كون عائلة حرب من كبار عائلات المنطقة وأنهم المتكفلون دوما بحل أي مشكلات تواجه قاطنيها لذا رددت بلا تأخير
مافيش غيره هو الحاج طه وعلى رأي المثل اللي مالوش كبير بيشتريله كبير!
تعجبت نيرمين من تلك الحالة التي أصابت والدتها وجعلتها تحدث نفسها بكلمات ليست واضحة وما زاد من غرابتها أكثر هو هرولتها مبتعدة عن المدخل فلحقت بها هاتفة بتساؤل
رايحة فين
أجابتها بغموض أثار ريبتها
هاروح على كبيرنا!
خفقان قوي شعرت به في قلبها حينما بدأ جسد والدتها في الظهور من أسفل تلك الحطام..
وخزات حادة طعنت صدرها بقساوة بالغة وهي تقف مكتوفة الأيدي عاجزة حتى عن إنقاذها..
استشعرت بحواسها كاملة أنينها المكتوم رغم صمتها أمامها..
صړخت بۏجع أكبر مستغيثة بمن حولها لعلهم يلبون نداءها المفجوع
ساعدوها هاتموت ماما سيبوني أنقذها
لا إراديا تحرك منذر نحو تلك الممددة بلا وعي محاولا التدخل وإنقاذها..
جثى على ركبتيه وأزاح بكل قوته ما علق فوقها من أثقال خشبية.
ظهرت بقعة من الډماء كانت كافية لتزيد من صړاخ أسيف الفزع عليها ولما لا تفعل فالمنظر مروع بكافة تفاصيله الحاضرة..
آزرها الجميع في ردة فعلها الطبيعية
نعم فالمشهد مؤسف ومؤلم في ذات الآن..
كشف أيضا عن مقعدها المتحرك والذي تلقى صدمة كبيرة فطوي عنوة وانكسرت أجزائه..
تمكنت أسيف بصعوبة من التحرر من الأيادي المحيطة بها فهرولت نحو والدتها وألقت بجسدها على الأرضية لتجثو هي الأخرى أمام جسدها الذي برز بالكامل من أسفل الحطام..
حدق فيها منذر بنظرات مصډومة ولكن تلك المرة عن قرب شديد.. فقد كانت جاثية إلى جواره
هي نفس التعابير المذعورة نفس النظرات المرتعدة ونفس شحوب المۏتى المخيف البادي على وجهها..
احتضنت أسيف جسد أمها ورفعته إلى صدرها صاړخة پبكاء مخټنق
ماما ردي عليا ماما!
ضمتها إليها أكثر وأزاحت بكفها المرتعش الډماء عن عينيها المغمضتين متابعة بصوت أكثر إنتحابا
أنا هنا يا ماما!
انحنت على رأسها لتقبلها وهي تكمل بأنين يقطع نياط القلوب
ماتسبنيش يا ماما ماليش حد إلا انتي!
مسحت على وجنتها برفق وهمست بإستعطاف مخټنق
ماما سمعاني! ردي عليا وقوليلي إنك كويسة ماما!
راقبها منذر بصمت إجباري لم يكن ليتخيل أن يلتقي بها مجددا في ظرف مؤلم كهذا..
تناسى سريعا غضبه المبرر منها فحياة إحداهن على المحك وأي عتاب أو لوم في هذا التوقيت لن يكون لائقا على الإطلاق..
أفاق من جموده الإجباري وانتبه أكثر لمن توشك على خسارة حياتها.
استدار برأسه للخلف وهدر بصوت صارم
اطلبوا الاسعاف بسرعة وفضوا السكة!
رد عليه أحدهم من الخلف
طلبناه من بدري يا ريس وقالوا جايين
أضاف أحد أخر مرددا بتهكم
هو في اسعاف بيجي
في وقته أصلا!
برزت عروق منذر المتشنجة نوعا ما من عنقه وتصلب وجهه أكثر بعد تلك العبارة الأخيرة وحسم أمره قائلا بصوت هادر
وسعولي المكان أنا هاوديها بنفسي
وبالفعل اندفع بجسده للأمام نحو أسيف وأمها حدقت هي فيه بنظرات زائغة فالعبرات قد شكلت غشاوة على عينيها فلم تتعرف إلى وجهه بوضوح..
دفعها عنوة للخلف محاولا تخليص قبضتيها عن والدتها ليتمكن من حملها..
رفضت أسيف التخلي عن أمها وعلق بذهنها ما فعلوه بها حينما كان يوارى أبيها الراحل الثرى فصړخت وهي تتشبث بها أكثر
مش هاسيبكم تاخدوها مني زي ما عملتوا مع بابا دي هي اللي فضلالي!
وضمتها أكثر إلى صدرها دافعة بقبضتها المرتعشة يد منذر الممتدة نحوها..
حدق هو فيها بذهول كبير متعجبا من عنادها القوي ومن طريقة تمسكها بأمها..
تجهم وجهه بدرجة واضحة وصاح بها بصوت خشن وصارم
سيبها! خليني أعرف ألحقها
وكأنها لم تكن ترى أو تسمع سوى صوت نفسها.
سيطر على عقلها ذكرى صدى صوت نواح النساء فكاد يصم أذنيها..
أغمضت عيناها بقوة وواصلت صړاخها المخټنق ببكائها
انتو كدابين ابعدوا عننا بقى!
مالت عليها برأسها وألصقت ذقنها بجبين أمها الملطخ بالډماء مضيفة بأنين متوسل و موجع
ماما فوقي وقوليلهم انك كويسة!
ضاق منذر ذرعا من تصرفاتها الهيسترية وحدجها بنظرات حادة للغاية. وقبل أن ينفذ صبره حاول قدر المستطاع ضبط أعصابه للسيطرة على نفسه في تلك المواقف لذا حسم أمره قائلا بغلظة
كده مش هانخلص النهاردة! اوعي شوية!
مد قبضتيه ليمسك برسغيها ثم أزاح بإصرار يديها عن أمها فإهتاجت أسيف أكثر وصړخت پجنون
لأ!
تلوت بمعصميها محاولة تحريرهما من قبضتيه المحكمتين حولهما وحدقت فيه بنظرات مظلمة
ابعد عني سيبني!
تجاهلها عمدا ووجه أنظاره للخلف ليصيح بصرامة
انتو هتتفرجوا علينا حد ياخدها ويبعدها يالا!
تحرك على إثر أمره عددا من الجيران ليمسكوا بها وتمكنوا بالفعل من إبعادها عن والدتها.
فزاد صړاخها الهيستري وتحركت بجسدها بإهتياج في كل الاتجاهات محاولة التخلص منهم....
استطاع منذر أن يحمل حنان بين ذراعيه وعاونه اثنين من الرجال في رفع جسدها وتثبيته..
انتبه الجميع لصوت صافرة سيارة الإسعاف التي حضرت إلى المنطقة فأفسحوا لها المجال وتسابق البعض في إرشاد المسعفين ليصلوا إلى مدخل البناية...
كان منذر قد سبقهم بالخروج بالسيدة حنان فاقتربوا هم منه ومعهم الناقلة الطبية..
وبحذر شديد حملوها عنه وأسندوها عليها..
هتف أحدهم بنبرة جادة
من فضلكم وسعوا خلونا نشوف شغلنا
رد عليه منذر بصوت غاضب
وهو احنا كنا بنلعب جوا!
هتف المسعف معللا ببرود
أي حركة غلط على المصاپة ممكن تعرض حياتها للخطړ
هدر به منذر بعصبية وقد برزت شراسة نظراته
هو انتو هترغوا ماتشوفوا شغلكم!
رد عليه المسعف بسخط
أومال احنا جايين هنا ليه
كان منذر على وشك الاشتباك مع ذلك المسعف بسبب أسلوبه المستفز لكنه تغاضى عن الأمر عمدا حينما انتبه لصوتها المهتاج فاستدار برأسه ناحيتها ورأى تلك البائسة وهي تركض صاړخة بهياج نحو سيارة الإسعاف مرددة
ماما.. أنا هنا يا ماما انتي رايحة فين
حاول أحدهم منعها من الصعود قائلا
يا آنسة ماينفعش!
احتجت عليه قائلة بانفعال باكي وعبراتها تنهمر بغزارة
مش هاسيبها أنا هاركب معاها!
أضاف أحد المسعفين قائلا بجدية
خلوها معاها محتاجين نعرف بيانات المصاپة!
نظر لها المسعف الأخر شزرا ثم أشار لها بيده لتصعد مرددا باقتضاب
اطلعي
وبالفعل صعدت على متن السيارة وجلست ملتصقة بالناقلة الطبية.
ضمت كفي والدتها بين راحتي يدها ومالت برأسها عليه لتقبله وهي تبكي بحړقة شديدة..
راقبها منذر باهتمام لا يدري إن كان مخطئا في سوء ظنه بها أم أن الموقف برمته أجبرها أن تظهر بتلك الطريقة الهوجاء..
لكن ما شغل باله حقا هي تلك الصدفة الغريبة التي
جمعته بها مرة